ٌ هناك غموض ٌ شديد يلف تاريخ ظهور الإسلم وتاريخ ظهور
ٍ وحياة محمد بن عبد الله، نبي الإسل ٍ م. بل حتى شخصيةمحمد
نفسه يحيط بها الغموض. والسبب الرئيسي في ذلك هو عدم وجود
ٍ شواهد ٍ تاريخية يمكن أن نعتمد عليها في تأريخ الإسلم.
اللغة العربية، لغة القرآن، قد نمت من اللغة الآرامية السريانية التي كانت سائدةً في منطقة الهلل الخصيب ولم يكن
نمو اللغة العربية الفيلولوجي قد اكتمل وقت ظهور الإسل ً م. وكانت العربية في بدايتها لغة ً صوتية لا حروف أبجدية
ٍ لها تمكن الناس من كتابتها. وحتى الأعراب القليلون الذين تعلموا الكتابة كانوا يكتبون العربية بحروف آرامية، وقد
ّ سمى الباحثون طريقة الكتابة هذه ب (قارشوني ( Garshuniنقلً عن كرستوف لوكسنبيرج في كتابه
.
)The Syrio-Aramaic Reading of the Koran )2
ً وقد احدثت هذه الطريقة في الكتابة أخطاء عديدةً في الكتابات التي وصلت إلينا، با فيها القرآن والتاريخ. وحتى
ٍ عندما استقر العرب على حروفهم الأبجدية الثمانية والعشرين، كانت هناك سبعة حروف فقط لا يمكن الخلط بينها
أما البقية فكان القارئ يصل إليها بالتخمي ً لأن الحروف لم تكن منقطة ٌ . فلم يكن هناك طريقة للتفريق بي الباء
والتاء والثاء، أو بي ٍ الجيم والحاء والخاء، وهكذا. ولم يكن هناك حرف همزة (أ) في وسط الكلمات، فنجد في القرآن
َ مثلً «ج َّن ٌت َ » بدل «ج َّن ُ ات.» فندرة الكتابة مع الأخطاء في النسخ جعلت الاعتماد على ما وصلنا من التراث الإسلمي
ٍ غير ذي قيمة تاريخية.
من هو نبي الإسلم؟
ٍ شخصية محمد نفسها لا نعلم عنها شيئً ً ا مؤكد ُ ا. فكتب السيرة تخبرنا أنه ولد بعد موت أبيه ب ٍ دة قد تصل إلى أربعة
ٍ سنوات لأن عبد الله أبا محمد قد تزوج في نفس اليوم مع أبيه عبد المطلب الذي ولدت له زوجته الجديدة ابنه
ٍ حمزة، عم محمد، والذي يكبره بأربعة سنوات ً حسب بعض القصص. فإذا كان حمزة يكبر محمدا بأربعة سنوات، فل
ً بد أن محمدا قد مكث في بطن أمه أربع سنوات. ولهذا السبب أصبحت مدة الحمل القصوى في الفقه الإسلمي أربع
سنوات.
ٌ فمحمد الذي ولد يتي ًما ً فقير ّ ا وترب ّ في حضن جد ً ه عبد المطلب ثم عمه أبي طالب، لم يكن شخص ٍ ا ذا بال حتى يهتم
الناس بولده ونشأته. وحتى عندما بدأ دعوته بكة تجاهله الناس لعدم أهميته بينهم وخاصموه لأكثر من عشرين
ً عام ٍ ا. والقرآن نفسه يقول لنا عن أهل مكة أنهم تساءلوا فيما بينهم عندما قال لهم محمد أنه أتى بقرآن من عند الله،
َ فقالوا: «وقَالُوا لَ ْولا نُ ِّز َل َه َذا الْ ُق ْر ُ آن َعلى َ َ ر ُج ٍل ِم َن الْ َق ْريَتَ ْي َ ِ ع ِظ ٍ يم ٌ .» فمحمد لم يكن عظي ًما بينهم،
-1ظهور الإسلم لكامل النجار
لكريستوف لوكسمبيرجThe Syrio-Aramaic Reading of the Koran-Page 144 -2
والقرآن نفسه يقول له على لسان الله في سورة الضحى:
«أَلَ ْم يَ ِج ْد َك يَ ِتي ًما فَ َآ َوى ( ) َ 6و َو َج َد َك َضالا ًّ فَ َه َدى ( ) َ 7و َو َج َد َك َعائِلً فَأَ ْغ َنى (.»)8
ٍ فكيف يؤرخ الناس لرجل ٍ مثل محمد ويحفظون تفاصيل ولادته ونشأته ورعيه للغنم ورضاعته عند حليمة السعدية،
وشق صدره وهو طفل؟ وكيف يتناقل الناس مثل هذه القصص عنه ثم لا يصدقونه عندما يقول لهم أنه نبي الله؟
ٍ فمن الواضح أن سيرة حياة محمد ٌ كلها صناعة ٍ متأخرةٌ تفنن القصاصون في صياغتها بخيال ٍ خصب الهدف منه تمجيد
الإسلم ورسوله.
أصل كلمة (محمد)
ٌ هل كان محمد ّ هو اسمه الحقيقي، تخبرنا كتب السيرة أن اسمه كان (قثم،) ثم سم ً ى نفسه محمد ّ ا وعق، أي ذبح
ً ذبيحة ّ لنفسه يوم سمى نفسه بهذا الاسم. فعن (أنس بن مالك أن النبي عق عن نفسه بعدما بُعث بالنبوة)( )3والاسم
ٌ (محمد) قد استعمله النصارى بالجزيرة العربية قبل ظهور الإسل ٌ م لأنه اسم مشتق من كلمة (الحمد) أي الشكر.
ّ فالشخص الكريم سموه (محمود) أو (محمد) أو (أحمد.)
فمثلً كان هناك محمد بن سفيان بن مجاشع، أحد أساقفة بني تميم. ومحمد بن حمران، من نصارى مذحج ()4
ً فإذ ٍ ا كلمة (محمد) قد سبقت ظهور الإسل ّ م. والشخص غير المحمود كانت الأعراب تسميه (مذم ًما.)
(قال ابن إسحاق: وكانت قريش إنما تُسمى رسول اللّ ُ ه صلى الله عليه وسلم م ّ ذم ًما، ثم يسبونه، فكان رسول اللّه صلى
الله عليه وسلم يقول: ( ألا تعجبون لِما صرف اللّ ُ ه عني أذى قريش، يسبون م ّ ذم ًما ٌ ، وأنا محمد)()5
ً ثم إن إله القرآن لم يخاطب نبيه بالاسم محمد، وقد خاطب نوح ِ ا فقال «قيلَ يَا نُ ُ وح ْ اه ْ بِط ِب َسلَ م،» وخاطب إبراهيم:
َ «ونَ َ اديْ َن ُ اه أَ ْن يَا إِبْ َر ِ اه ُ يم قَ ْد َص َّدقْ َت ُّ الر ْؤيَا،» وقال لعيس: «إِ ْذ قَ َ ال اللَّ ُه يَ ِ ا ع َ يس إِني ُ ِّ متَ َوفِّ َ يك َو َر ِ اف ُع َك إِ َ َّلي،» كما خاطب
.
موسى وقال: «يَ ُ ا مو َسى لا َ تَ َخ ْف» ()6
فلماذا لم يُخاطب نبي الإسل ّ م ب (يا محمد)؟ بل أن القرآن عندما تحدث عن محمد بلسان (عيس) قال لهم:
َ «و ُمبَ ِّ ًشر ِ ا ب َر ُس ٍ ول يَأْ ِتي ِمن بَ ْع ِد ْ ي اس ُم ُه أَ ْح َم ُد ٍ » ولم يقل محمد، وبالتالي كان يمكن لمحمد ّ أن يسمي نفسه (محمود) بدل
ً محمد. ثم أن محمدا لم يُ ٍ عرف باسم ٍ واحد ٌ فقط، فقد قال لأصحابه (أنا محمد ٌ وأنا أحمد وأنا الماحي وأنا الحاشر وأنا
العاقب)( ٌ )7فالاسم محمد ُ اسم منتحلٌ وليس الاسم الذي عرف به نبي الإسلم قبل ظهور الإسلم.
-3بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد القرطبي ص329
-4النصرانية وآدابها للأب شيخو- ص 251
-5السيرة النبوية لابن هشام- ص 204
-6الإتقان لجلل الدين السيوطي-ص282
-7صحيح البخاري
أصل كلمة (عبد الله)
ُ نأتي إلى الاسم (عبد الله.) كان ملوك إيران يعتقدون أن الحكم في مملكة إيران-شاهر Eran-Shahrيجب أن يكون
ّ في عائلة ساسان لأنهم أحفاد الآلهة. وعندما اعتلت الملكة بوران- ابنة الملك خسرو الثاني- صك ً ت ميدالية ً ذهبية
نُقش عليها (بوران- مجددة نسل الآلهة - .)Boran, I yazdan tohm winardarوبعد هزيمة الساسانيي على أيدي
الإمبراطور هيراكليوس في عام 622م، بدأ حكم المسيحيي العرب في سوريا وإيران. وأول ما فعله الحكام المسيحيي
العرب هو محاولة إزالة مفهوم أن الحكام من نسل الآلهة، فأدخلوا مصطلح (عبد الله) للحاكم( )8وكذلك فعل
ٌ المسيحيون في سوريا. بل أن مسيحيي سوريا كانوا يقولون إن يسوع عبد الله ورسوله. وكانت هذه عادةٌ مسيحية
ٌ سورية ترجع إلى القرن الأول الميلدي. وهناك الخطاب Clement 1المكتوب إلى المسيحيي في Corinthفي نهاية
القرن الأول الميل ٌ دي والذي يقول إن الله واحد وهو خالق الكون وخادمه المحبوب يسوع المسيح سيدنا
.there is one God, creator of the universe, and his beloved servant Jesus Christ, our Lord
ً فإذا مصطلح (عبد الله) قد سبق ظهور الإسلم وأخذه المسلمون من المسيحيي.
ٌ فعبارة (محمد ٍ عبد الله) أو (عبد الله محمد ّ ) لا تنم ٍ عن معتقد إسل ّ مي ّ ، بل مسيحي
نشأة محمد وبداية ظهور الإسلم من واقع سيرتي ابن إسحق وابن هشام.
the Hidden Origins of Islam -8للمستشرق كارل هاينز أوهليق وجيرد بوين، ص 25
بدأ الإسلم بحسب الرواية الإسلمية المعروفة
ٍ في مكة كتنزيل ٍّ رباني بواسطة الملك جبريل إلى
ٍ رجل ً يدعى محمد ّ ا ينتمي إلى الفرع الهاشمي
من قريش. توفي والده قبل ولادته وتوفيت
ٍ أمه وعمره ست سنوات وتوفي جده وعمره
ٍ ثماني سنوات وربّاه عمه أبو طالب. واشتغل
في التجارة وتزوج خديجة بنت خويلد. وبقية
ٌ التفاصيل معروفة في الكتب الكثيرة. وفي
الأربعي من عمره بدأ بتلقي الوحي. وعرض
ما وقع له على أسرته، وبعد إيمانه بنفسه
ُ وتشجيع خديجة ّ وعم ّ ها ورقة بن نوفل صرح
ٌ محمد بدعوته وباشر الإعلن عنها لأصحابه.
24عمر حسين
ٌ أسطورةاسمها الإسلام ()1
ولكن تضطرب الرواية الإسلمية الرسمية فيما يتعلق بولادة النبي فل ٍ يعرف في أي سنة بالضبط ولا أي يوم. كذلك
ٌ هناك اضطراب في الرواية الإسل ً مية فيما يخص كثيرا من الأحداث الل ً حقة. والقليل جد ٌ ا معروف عن طفولته وخصوصا
أنه رضع في البادية من حليمة السعدية.
غير أن معرفتنا الأوسع والأشمل ب ٍ حمد ٍ تعود إلى ابن إسحق الذي وضع أول سيرة لرسول الله. كان ذلك في بغداد
ٍ حوالي العام سبعمئة وخمسي للميلد أي ما يقرب من مئة وثماني عشرة سنة بعد الوفاة المفترضة لمحمد. وابن إسحق
حسب الموروث الإسل ٌ مي هو حفيد لمولى يُ ٌ دعى (يسار) يقال أنه من سبي نصارى عي تمر في العراق.
تُ ٍ قدم السيرة رواية تنصيب محمد نبيً ٍ ا بشكل مثيرٍ ِ للشبهات. فرحلته إلى الشام ولقاء الراهب بحيرى وأقوال اليهود
المبثوثة في الكتب الإسلمية تظهر الأمر وكأنه يُ ٍ بنى بعناية للوصول إلى الهدف: محمد بن عبد الله نبي هذه الأمة.
ً فقد صنع الإخباريون والرواة بيئة ً مناسبة ً لبدء بعثة النبي. جعلوا مكة بيئة ً وثنية تعبد الأصنام وجعلوه أميًّا لا يقرأ
الكتب حتى لا يطعن به أحد.
ً تبدو قصة بدء الوحي مختلقة ٍ لأسباب عديدة. محمد يفاجأ بجبريل ويخاف. يحاول الانتحار من شدة الخوف، وعند
ّ العودة إلى زوجته خديجة يظل خائفًا إلى أن يطمئنه ورقة بن نوفل ويؤكد له أنه نبي بحسب الناموس. والقصة تبدو
ً مختلقة لأن الذي كتبها على ما يبدو لم يكن يعلم كيفية نزول الوحي وكيفية تلقي الأنبياء رسالات ربهم. فالأنبياء
عادةً عندما يظهر لهم مل ٌك ً من الله يمتلئون هدوء وفرحا ولا يرتعبون ولا يرهبون.
من الغريب أن قصة بدء الوحي تُروى عن عائشة وسبب الغرابة أنها بحسب الرواية الإسلمية ولدت بعد البعثة،
ً ولو افترضنا أن محمدا حكى لها قصة بدء الوحي فالأجدر أن تكون الرواية عن خديجة أو عن أبي بكر الذي كان مل ً زما
للرسول والذي يُ ٌ فترض أنه سمع القصة منه منذ البداية. معروف أن النبي تزوج عائشة وعمره ثلث وخمسون سنة.
ولنفرض أنه أراد أن يروي لها قصة بداية البعثة والوحي فهل يمكن أن يقول لها كل التفاصيل التي تُظهره ضعيفًا
ً وجاهلً ومتشككا بالوحي وأنه حاول قتل نفسه خوفا وفزعا؟
ٍ بعد أكثر من مئة سنة من وفاة محمد المفترضة وكانت سنة 632م حسبما تقول الرواية، وضع ابن إسحق المتوفي
سنة 768م كتابه سيرة رسول الله ( )9وما تناوله ابن إسحق من سيرة للرسول اعتمد فيها على ما تناقله الرواة ولاكته
ألسنتهم فكانت كلها موضع خبطهم وخلطهم وملعب أهوائهم ومسرح تحزباتهم المذهبية والسياسية حتى وقع فيها
من الزيادة والنقص ما وقع.
-9سيرة رسول الله لابن إسحق
25عمر حسين
ٌ أسطورةاسمها الإسلام ()1
ٍ وفي الواقع لا توجد أي نصوص ٍ أصلية ٌ يمكن نسبتها إلى ابن إسحق ولكن هناك إشارات ٌ كثيرةٌ إليها واقتباسات منها في
ٍ تاريخ الطبري الذي عاش بعد مئتي سنة من ابن إسحق. إن هذا التأخير في كتابة سيرة الرسول يفتح المجال لكثير من
ً اللغط والتشويش خصوص ٌ ا أن كتاب ابن إسحق الأصلي مفقود وإن وجدت منه شذرات نسبها إليه
ابن هشام (المتوفي 833م) في سيرته التي قال أنه اعتمد في كتابتها على سيرة ابن إسحق. وفي غياب الأدلّة
ٍ الأركيولوجية فإن ما ترويه الكتب الموضوعة في وقت ٍ متأخر عن وقت الدعوة، المفترض أن يدخل في باب الموروث
الشعبي والإشاعات والأساطير أكثر مما يدخل في باب الحقائق التاريخية.
ٌ وحتى لو وصلتنا نصوص ٌ كاملة ً من رواية ابن إسحق للسيرة فإنها لم تكن رواية ً موثوقة. فقد اتهمه مالك بن أنس
بالتشيع وانتحال الكثير من القصص. والمعروف أن ابن إسحق كتب سيرته في بغداد نزولا ً عند إرادة الخليفة المنصور
الذي حكم ما بي 754م – 775م ولذا فإنها تعكس دعوى العباسيي السياسية في المطالبة بالخلفة فهم تسموا
بالعباسيي انتسابً ّ ا للعباس عم ّ النبي حسب ما هو مأثور، والعباس ُيم ً ثل مقام ً ا رفيعا في السللة الهاشمية.
ترى (باتريشيا كرونة) التي درست الإسل ّ م المبكر
ٍ بعناية ٌ أن سيرة ابن إسحق وهي موضوعة في
ٍ زمن ً يعتبر متأخر ً ا جدا في عصر أحفاد الأحفاد
ً مكتوبة ٍ من وجهة نظر ٍ أحادية ٍ وممتلئة بالقصور
والتناقضات والتخبط وعدم الانتظام وكذلك بكثير
من القصص الغريبة، وبا أنه لا يمكن إعادة تركيب
ٍ السيرة وترتيبها بشكل ٍّ موضوعي فل يمكن إثبات أي
ٍ شيء ّ منها. أما (مرغليوث) فيرى أن النبي بحسب
ٌ رواية ابن إسحق شخصية ّ غير محببة، مقاتل حربي
لا يتورع عن قتل خصومه السياسيي. وكان يحكم
في المدينة مثل طاغية. لكن (فلهاوزن) يرى أن
ّ سيرة ابن إسحق هي أصح ٍ الكتب عن محمد وما
بعدها، من مثل كتاب المغازي للواقدي والطبقات
لابن سعد وحتى سيرة ابن هشام لا يعتد بها فهي
ّ مجر ٍ د خيالات واختلقات. ويرى آخرون أن السيرة
ٍ اختلقت لبناء ماض ّ مثالي ولتبرير القرآن وتفسيره.
26عمر حسين
ٌ أسطورةاسمها الإسلام ()1
وفي السيرة الحلبية ( ٌ )10نقد ٌ لمنهج ابن إسحق واتهام له بأنه كان يخترع أحاديثًا وينسبها لمحمد. كما اتهمه مالك بأنه
ٌ كذاب ٌ ومدلس ٌ وأنه واحد من أكبر المزورين وأقلهم شرفًا. ويضيف أنه كان يتتبع أخبار غزوات النبي من أولاد اليهود
الذين أسلموا وحفظوا قصة خيبر وغيرها. ويقول مالك: (لقد طردناه من المدينة.) ويقول ابن هشام هناك رواة ثقاة
مثل مالك بن أنس وهشام بن عروة بن الزبير شطبوا ابن إسحق من قائمة الرواة الثقاة للحديث واتهموه بالكذب
والتدليس والتزوير والاعتماد على الروايات المشبوهة وكان يخترع الشعر ليقحمه في كتابه. ويبدو أن ابن إسحق كان
ٍ صاحب خيال واسعٍ فلم يكن معنيً ٍ ا بصدق الأخبار التي تصل إليه بل خرج من كل ذلك ببناء ٍّ درامي ٍّ روائي متكامل
ٍ الأركان. كما كان يخترع الأشعار وينسبها لشعراء عاشوا قبل ألفي سنة من وقته، كما كان يخترع سلسلة أنساب لا
وجود لها وكل ذلك لتبرير نص القرآن الغامض أو الغريب أو غير المفهوم أو المتناقض.
عندما ترجم المستشرق مونتغمري وات ( ٌّ )11سيرة ابن إسحق في منتصف القرن التاسع عشر وضع لها عنوان: نبي
ّ ورجل دولة. وكان نتيجة استقرائه للسيرة أن طرح أو ٍ ل تساؤل ّ جوهري حول تاريخية محمد ومصداقية سيرة ابن
ً إسحق رافض ٍ ا الرواية الشفهية كمصدر ٍ لتاريخ ً مؤكّد. وقد لاحظ وات أن السيرة تضمنت سردا أسطوريً ً ا وبناءا أدبيًا
قصصيًا.
ُ بعد ابن إسحق و ّ ضعت كثير من الكتب أهمها سيرة ابن هشام الذي اعتمد فيها على سيرة ابن إسحق. واهم ما فعله
ابن هشام المتوفي سنة ٍ 830م هو حذف بعض المداخل والروايات التي تصف معجزات محمد وحضور الملئكة الدائم
معه. وقد جرى تهذيب السيرة لإسباغ طابعٍ عقل ٍّني ً عليها وجعلها تبدو تاريخا حقيقيًا.
لقد عانت معظم المؤلفات والمدونات الإسل ُ مية من اعتمادها على الروايات الشفهية المتعددة، فقد د ّونت بعد أكثر
من قرني على وقوعها المفترض. وهذا خلق اضطرابً ً ا في تسلسل الأحداث وتناقض كثير من الروايات
مجلة الملحدين العرب العدد40